HomeQuranHadithMizanVideosBooksBlogs
مصنف : جاوید احمد غامدی

الإسلام والدولة: روایة مضادة

للمفكر والباحث الإسلامي جاويد أحمد الغامدي (حفظه اللّٰه)

نقله إلى العربية الأستاذ حسن إلياس

 

 الوضع الراهن الذي نشأ اليوم للمسلمين في جميع أنحاء العالم بعض المنظمات المتطرفة التابعة للإسلام من خلال أعمالها وتحركاتها، هو في الواقع نتيجة الفكر الذي يتم درسه وتدريسه في مدارسنا الإسلامية، والذي تبثه الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية الدینیة ليلاً ونهارًا.

ردًا على ذلك ما هو الفكر الصحيح للإسلام؟ إنه بالفعل رواية مضادة، كما قلنا أكثر من مرة أنه إذا ظهر الفوضى في المجتمع المسلم على أساس الدين، فالدعوة إلى العلمانية ليست الحل إنما يمكن تصحيح الوضع من خلال رواية مضادة للفكر الديني.

وليس هذا الوقت المناسب للدخول في التفاصيل، ولكن فيما يلي ملخص لجزء من هذا الفكر مما يتعلق بالإسلام والدولة:

(1)      الدعوة إلى الإسلام هي أساسًا للفرد. لأن الإسلام يريد أن يثبت حكمه على قلب الفرد وعقله. والأوامر التي أعطاها للمجتمع هي موجهة أيضًا إلى الذين يقومون بمسؤولياتهم بصفتهم أهل الحل والعقد في المجتمع الإسلامي. فلا أساس لهذا الرأي تمامًا أن الدولة لديها دين وأنها بحاجة أيضًا إلى الأسلمة من خلال قرار الأهداف، ويجب أن تكون ملزمة دستوريًا، أي عدم إصدار أي قانون ضد القرآن والسنة.

والذين تقدموا بهذه وجهة النظر ونجحوا في تطبيقها في البرلمان، إنهم قد وضعوا الأساس للافتراق الدائم في الدول القومية وقاموا بإرسال الرسالة إلى غير المسلمين العائشين هناك بأنهم في الواقع مواطنون من الدرجة الثانية. وهم على مكانة الأقلية المحمية في الغالب، وبها يمكنهم المطالبة بأي حق من الحقوق من المالكين الأصليين للدولة إذا أرادوا.

(2)     يجب على الدول ذات الأغلبية المسلمة تشكيل الولايات المتحدة الخاصة بها، فهذه الأمنية يمكن أن تكون حلمًا لكل واحد منا ويمكننا أن نبذل قصارى جهدنا لتحقيقها، لكن لا أساس لهذه الفكرة أنها قاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية ويكون ارتكاب المعصية إذا لم يحقق المسلمون ذلك، كلا. والخلافة ليست مصطلحًا دينيًا، وتأسيسها على المستوى العالمي ليست فريضة من فرائض الدين. بعد القرن الأول من الهجرة أقيمت دولتان مستقلتان، فكانت الدولة العباسية في بغداد والدولة الأموية في الأندلس، وبقيت لقرون عديدة  وكان بينهم فقهاء المسلمين وعلمائهم وأئمتهم العظام لكنهم لم يعتبروه مخالفًا لأي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية. والسبب في ذلك أنه لا يوجد أي نص في هذا الأمر من القرآن والسنة.

بل العكس من ذلك، كما قال الجميع ونحن أيضًا: إذا قام النظام الجماعي للمسلمين قائمًا وثابتًا في مكان ما، فإن التمرد عليه والخروج منه هو أبشع جريمة، قال عنها النبي ﷺ: ’’من خرج قيد شبرة منه فقد مات ميتة جاهلية.‘‘[1]


(3)    وأساس الجنسية لدولة إسلامية ليس هو الإسلام بحد ذاته كما هو شائع. و لم يذكر في القرآن والحديث أن المسلمين أمة واحدة بالمصطلح المعاصر أو ينبغي أن يصبحوا أمة واحدة، ولكن قد ذكر: ﴿ اِنَّمَا الْمُؤْمِنُوْنَ اِخْوَةٌ ﴾ [سورة الحجرات: ۱۰  ] على المبدأ القرآني، فإن العلاقة بين المسلمين ليست علاقة جنسية، بل هي علاقة أخوية. وعلى الرغم من تقسيمهم إلى عشرات الدول والبلدان والولايات، إلا أنهم إخوة في الإيمان، وبالتالي يمكن أن يُطلب من المسلمين أن يكونوا على دراية كاملة بأحوال إخوانهم، وأن يمدوا يد العون والمساعدة في صعوباتهم ومعاناتهم، وأن يقفوا إلى جانبهم لمساعدتهم في أوقات الاضطهاد، وأن يعطوا لهم الأولوية في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وأن لا يغلقوا أبوابهم عنهم أبدًا في أي حال من الأحوال، مع ذلك لا يمكن مطالبتهم بالتخلي عن دولهم القومية وهوياتهم الوطنية وأن يصبحوا أمة واحدة ودولة موحدة. كما يمكنهم تشكيل دولهم القومية المنفصلة، كذالك يمكنهم التعايش في الدول غير المسلمة معًا كمواطنين وكأمة على أساس الوطن، إذا كان لديهم حرية ممارسة الدين والشريعة. لا شيء مانع ولا غير قانوني وفقًا للقرآن والحديث.

(4)     والمسلمون حول العالم من يعترفون بأنهم مسلمون، وليس ذلك فحسب بل يصرون على ذلك، ولكنهم إذا اعتنقوا عقيدة أو ممارسة لا تصلح لعلماء الإسلام أو جماعة من المسلمين ولا يقبلونها، أو إذا كانت عقيدتهم أو ممارستهم خاطئة. فيمكن أن يطلق عليهم المنحرفين والضلالين، ولكن لا يمكن تسميتهم بغير المسلمين أو أنهم أصبحوا كفارًا، بما أنهم يستبطون ويستدلون لها من القرآن والحديث بالذات. وما علينا إلا أن ننتظر إلى يوم القيامة حتى يحكم اللّٰه عن الذين يتبعون هذه المعتقدات والممارسات.

ومن يعتنقون هذه المعتقدات في العالم هم مسلمون حسب معتقداتهم، وسيعتبرون مسلمين وسيتم كل التعامل معهم مثل أي فرد من أفراد الأمة الإسلامية. إلا يحق للعلماء أن يكشفوا لهم عيوبهم وأخطاءهم، وأن يدعووهم لقبول الحق والصواب، أما إذا كان هناك شيء من الشرك والكفر في أفكارهم ومعتقداتهم ، فيجب على العلماء أن يسموه بالشرك والكفر ، وأن يقوموا بتحذير الناس من ذلك، ولكن لا يحق لأحد أن يعلن بأنهم لن يعودوا مسلمين أو أنهم انعزلوا عن الأمة الإسلامية، لأن هذا الحق لله وحده ولا يمنحه لأحد إلا هو، كما يعلم كل من له إلمام بالقرآن والسنة أنه لم يمنحه لأحد.

(5)     كما أن الشرك والكفر والارتداد هي بالتأكيد من الجرائم الجسيمة والخطيرة، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يعاقبها. هذا حق اللّٰه، وهو يعاقبهم يوم القيامة وإن شاء يعاقبهم في الدنيا أيضًا.

فيما يتعلق بالقيامة فليس في معرض البحث هنا، أما الدنيا، فحالها إذا أراد اللّٰه بإقامة عدالته في أمة فبعث إليها رسوله . والرسول ـ بدوره ـ يقدم حجة كاملة على أمته ويبين لها الحق بحيث لن يكون لأحد عذر يعرضه أمام اللّٰه.

ثم من أصر على الكفر والشرك بعد إتمام الحجة هذه فإن اللّٰه يعاقبه في الدنيا. وهذه هي سنة إلهية ورد ذكرها في القرآن على النحو الآتي : ﴿ وَلِكُلِّ اُمَّةٍ رَّسُوْلٌﵐ فَاِذَا جَآءَ رَسُوْلُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُوْنَ ﴾

  [سورة يونس: ۴۷  ]

فهذا نوع خاص كما ورد ذكره في قصة ذبح إسماعيل والخضر عليهما السلام، لاعلاقة له بالناس العاديين. فكما أنه لا يمكننا أن نحفر في السفينة لمساعدة الفقير بدون إذنه، أو نقتل طفلاً نراه يعصي لوالديه، أو نضع سكينًا في حلقوم أولادنا على أساس رؤية رأيناها كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام، كذالك لا يمكننا معاقبة إنسان لشركه أو كفره أو ارتداده. إلا إذا كان الوحي من اللّٰه أو أمرًا مباشرًا منه عن طريق أحد رسله، والجميع يعرفون أن هذا الباب بعد النبي ﷺ مغلق إلى الأبد.

(6)     مما لا شك فيه أن الجهاد من أحكام الإسلام، والقرآن يطالب المؤمنين به بمحاربة الظلم والعدوان إذا كانت لديهم القوة. والتعليمات القرآنية عن الجهاد هي في الواقع موجهة لمكافحة الفتنة والفساد. والفتنة تعني من وجهة النظر القرآنية محاولة إبعاد الإنسان عن دينه بالقهر والإكراه. وهذا ما يسمى بالاضطهاد (Persecution) في اللغة الإنجليزية. ويعرف أهل العلم أن المسلمين مأمورون به جماعيًا وليس فرديًا. لأن الآيات التي وردت في القرآن عنه ليست موجهة إليه بصفتهم الشخصية. لذالك فإن نظامهم الجماعي له الحق في اتخاذ أي إجراء في هذا الشأن. فلا يحق لأي فرد أو مجموعة القتال بمفرده نيابة عنهم داخل المجتمع المسلم. ولهذا قال النبي ﷺ : ’’إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به.‘‘[2]

(7)    إن الجهاد الذي يأمر به الإسلام هو حرب في سبيل اللّٰه، وبالتالي لا يمكن القيام به دون مراعاة الحدود الأخلاقية. والأخلاق لها الأسبقية في كل شيء وفي جميع المواقف، ولم يسمح اللّٰه تعالى لأحد بالخروج عنها حتى في حالة الحرب. لذالك من المؤكد تمامًا أن الجهاد لا يكون إلا مع المقاتلين. كما شرع الإسلام أن الإنسان إذا هاجم بلسانه يُرد عليه بلسانه، وإذا قدم دعمًا ماديًا للمقاتلين يتم إيقافه من الدعم المادي لكنه لن يُقتل حتى ذالك الحين ما لم يحمل السلاح، حتى في ساحة المعركة، وإذا ترك سلاحه، يتم القبض عليه ولا يمكن قتله. ومن الآيات القرآنية التي تأمر بالجهاد قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللّٰهِ الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوْاﵧ اِنَّ اللّٰهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِيْنَ﴾ [سورة البقرة : 190 ] ونهى النبي ﷺ عن قتل النساء والأطفال أثناء الحرب. والسبب في ذالك أن النساء والأطفال حتى لو خرجوا مع المقاتلين، لا يقاتلون عادة، إنما يمكنهم تحفيز المقاتلين وتشجيعهم على القتال بأكبر قدر ممكن بألسنتهم فقط.

(8)    فقد أعلن القرآن قبل قرون من المفكرين الغربيين المعاصرين : ﴿وَاَمْرُهُمْ شُوْرٰي بَيْنَهُمْ﴾ [سورة الشورى: 38 ] (أي يقوم النظام الجماعي للمسلمين من خلال التشاور المتبادل بينهم) وهذا يعني بوضوح أن المسلمين يجب أن يحكموا على أساس نصائحهم ومشورتهم. ويكون لكل فرد حقوق متساوية في هذه المشاورة، وما يتم إنشاءه من خلال التشاور يمكن سحبه أيضًا عن طريق التشاور، لأن رأي الجميع جزء من وجوده.

لذالك، إذا لم يكن من الممكن الوصول إلى نتيجة حتمية في أمر ما، فإن حكم الأغلبية مقبول فيه، ولكن الدكتاتورية سواء كانت من أي عائلة أو طبقة أو مجموعة أو مؤسسة وطنية، لا يمكن قبولها تحت أي ظرف من الظروف، ولا حتى من قِبل خبراء في العلوم الدينية المتعلقة بالإدارة الجماعية. بالطبع لهم الحق في التعبير عن آرائهم وأفكارهم لكن لا تصبح آرائهم قانونًا ما لم يتم قبوله من قِبل أغلبية الممثلين المنتخبين من الشعب. وفي الدولة الحديثة تقوم مؤسسة البرلمان صراحةً لهذا الغرض ويجب أن ندرك أن القرار النهائي في نظام الدولة يعود إلى البرلمان فقط ويجب أن يكون كذالك. ويحق للناس أن ينتقدوا قرارات البرلمان و أن يشيروا إلى أخطائهم، مع ذالك لا يحق لأحد أن يعصيها و ينتهكها أو يتمرد عليها.

ولا يجوز لأحد أن يكون فوق البرلمان سواء كان عالمًا أو قاضيًا في الدولة، هذه هي الطريقة الشرعية الوحيدة لتشكيل الحكومة وإدارتها، والحكومة التي تتشكل وبعيدة عنها هي حكومة غير شرعية حتى لو كان هناك أثر السجود على جبين رئيسها حتى لو نال لقب ’’أمير المؤمنين‘‘.

(9)     وإذا نشأت حكومة إسلامية في مكان ما، فعادةً يُطلب منها النفاذ على الشريعة. لكن هذا التفسير خاطئ لأنه يعطي الانطباع بأن الحكومة في الإسلام لها الحق في فرض جميع الأحكام الشريعة على الناس بقوة الدولة، على الرغم من أن هذا الحق لم يثبت لأية حكومة بالقرآن والسنة.

الشريعة الإسلامية تحتوي على نوعين من الأحكام: أحدهما يخص للفرد كفرد، والآخر يخص للمجتمع الإسلامي. النوع الأول هو فيما بين اللّٰه وعبده، فهو مسؤول أمام ربه وليس أمام أي حكومة. لذالك على سبيل المثال،  لا يمكن لأي حكومة في العالم أن تجبر شخصًا على الصيام أو الحج أو العمرة أو الختان أو تقليم شاربه وتغطية الصدر للمرأة.  في مثل هذه الأمور لا تملك الحكومة أي سلطة تتجاوز التعليم والإرشاد والوعظ ما لم يكن هناك إمكانية لاغتصاب الحقوق أو التعدي على حياة الناس وأموالهم وكرامتهم. لقد أوضح القرآن بصراحة تامة أن إحدى الواجبات الإيجابية هي الصلاة والزكاة فقط، والتي يمكن للنظام الجماعي للمسلمين أن يطالب بهما بقوة القانون إذا شاء.

أما النوع الآخر من الأوامر فهو أصلًا ينتمي إلى الحكومة. لأنه هو يمثل المجتمع في الشؤون الجماعية. وإذا طلب العلماء من الحكام أن يعملوا بها ، فإنه يحق لهم، وعليهم أن يفعلوا ذالك حسب طبيعة منصبهم. لكن هذه دعوة للعمل به وفقًا للشريعة، حتى تفسير ’’نفاذ الشريعة‘‘ لا يمكن اعتباره مناسبًا لذالك. فهذه الأحكام هي كما يلي:

(الف) المسلمون ليسوا رعايا لحكامهم ولكنهم مواطنون متساوون، وعلى مستوى القانون والدولة لن يميز  بين الغني والفقير، وبين المتقدم والمتخلف، وستُقدس حياتهم وممتلكاتهم وكرامتهم. حتى الحكومة لن تكون قادرة على فرض أية ضريبة عليهم غير الزكاة دون موافقتهم.

وإذا وقع بينهم نزاع في أحوالهم الشخصية مثل الزواج والطلاق والميراث والمعاملات وغير ذالك من الأمور، يتم الفصل فيه وفقًا للشريعة الإسلامية. ويجب توفيرهم جميع التسهيلات اللازمة لأداء الصلاة في الليل والنهار وصيام شهر رمضان والحج والعمرة وأن يحكم عليهم بالعدل والإنصاف على أساس ﴿وَاَمْرُهُمْ شُوْرٰي بَيْنَهُمْ﴾ وستختص ممتلكاتهم الوطنية لتلبية الاحتياجات الجماعية ولن يتم منحها للملكية الخاصة، ولكن سيتم تصميمها بحيث يتم تلبية احتياجات أولئك الذين تخلفوا عن الركب في السباق الاقتصادي من خلال دخل الممتلكات. وعند مغادرتهم الدنيا يكون تجهيزهم على طريقة المسلمين والصلاة عليهم والتدفين في مقبرة المسلمين.

(ب) يتم إدارة وإقامة صلاة الجمعة والعيدين من قِبل الحكومة ، ولا تؤدى هذه الصلوات إلا في الأماكن المخصصة لها من قِبل الحكومة وسيخص منبرها للحكام، فالحاكم هو الذي يلقي الخطبة ويصلي بهم. أو أي مسؤول حكومي سيتولى هذه المسؤولية نيابة عنهم. ولن يتمكن أي شخص من إدارة وترتيب هذه الصلوات بمفرده داخل الدولة.

(ج) الإدارات والمؤسسات لتنفيذ القانون أصلًا هي وكالات لأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذالك يجب اختيار أفضل وأنسب الناس في المجتمع ليكونوا عاملين في هذه المؤسسات، الذين يغرسون الخير في الناس ويمنعونهم من كل الأشياء التي اعتبرها الإنسان شرًا منذ القدم. ومع ذالك ، فإنها لن تستخدم سلطة القانون إلا إذا انتهك شخص ما حقوق الآخرين أو سعى إلى اتخاذ إجراءات ضد حياتهم أو أموالهم أو كرامتهم.

(د) و ستلتزم الحكومة دائمًا بالقسط والعدالة حتى مع أعدائها. فتقول الحق  وتشهد للحق ولا تقوم بأي عمل يخرج عن العدالة.

(هـ) إذا كان هناك اتفاق مع شخص داخل الدولة أو خارجها، يجب عليه الالتزام بها بأقصى درجات الأمانة والصدق من حيث الكلمة والمعنى مادام هذا الاتفاق قائمًا.

(و) ولن يُعاقب بالإعدام على أي جريمة سوى القتل والفساد في الأرض، وكذالك إذا ارتكب أي مواطن مسلم من المواطنين في الدولة جريمة الزنا والسرقة والقتل والقذف والفساد في الأرض، واقتنعت المحكمة بأنه لا يستحق أي تنازل فيما يتعلق بأحواله الشخصية والعائلية والاجتماعية، سيتم عليه فرض العقوبات التي أوجبها اللّٰه تعالى في كتابه لمن ارتكب هذه الجرائم بعد قبوله لدعوة الإسلام بوعي كامل.

(ز) وسيتم اتخاذ الخطوات اللازمة على المستوى الحكومي لنشر رسالة الإسلام في العالم. وإذا قامت أي سلطة في العالم بعرقلة واضطهاد المسلمين وتعذيبهم بالقوة، فإن الحكومة ستقوم ببذل قصارى جهدها لإزالة هذه العقبة وإيقاف هذا العنف، حتى لو كان استخدام السيف والسلاح من أجل ذلك.

ختام القول

هذه هي ضوابط الشريعة في الحكم الجماعي، ووجه التحذير والإنذار للدولة أن من لا يحكم وفق الشريعة التي أنزلها اللّٰه تعالى، فإنهم يعتبرون ظالمين وكافرين وفاسقين عند اللّٰه يوم القيامة. أما إذا استمر حكام المسلمين في الإهمال والتهاون والعصيان في هذا الأمر، فإن مسئولية العلماء والمصلحين والدعاة ما هي إلا أن يحذروهم من عواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة، وأن يدعُووهم إلى اتخاذ الموقف الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يواجهوا أسئلتهم، وأن يحاولوا لإزالة مشاكلهم، وأن يشرحوا لهم بالحجج والبراهين لماذا أعطى اللّٰه تعالى شريعته؟ وما هي علاقتها بالحياة الجماعية؟ وما هو أساس الأحكام فيها؟ ولماذا يجد الإنسان المعاصر الصعوبة في فهمها؟ وأن يتخذوا مثل هذه الخطوات حتى تتضح لهم حكمتها ومعناها وهدفها وتكون قلوبهم وعقولهم على استعداد لقبولها والعمل بها برضا كامل. لأن القرآن قد وصف موقف العلماء في الدعوة إلى اللّٰه بهذه الطريقة. ولم يجعلهم مسيطرين على الأمة بحيث أن يقوموا بتنظيم المجموعات لأتباعهم ثم محاولة إجبار الناس على الالتزام بالشريعة تحت تهديد السلاح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. البخاری، الجامع الصحیح، رقم ۷۰۵۳- ۷۰۵۴.

[2]. البخاری، الجامع الصحیح، رقم ۲۹۵۷.

B